التونسيون هم أول شعبٍ يثبت لي خطأ صديقي العزيز” أحمد مطر”، والذي قال لي يوماً:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة..
فلا بد أن يبتلى بالمارينز!!
(مع الإعتذار عن إكمال بقية الأبيات!)
وأثبتوا لي صحة مقولة أحمد شوقي:
وللحرية الحمراء باب … بكل يدٍ مضرجة يدقُّ!
ولكن يخطأ من يعتقد أن الحكاية أنتهت بسقوط الطاغية، لا الحكاية والتحديات الحقيقية تبدأ من هنا، فنحن العرب مهووسون بكل ثورة وتغيير، فنحن أول من صفق لنجاح أوباما (ولم يتغير شيء) ونحن أول من فرح بسقوط صدام (والأحوال تردت إلى الأسوأ) ونحن أول من أيد سقوط الملكية المصرية في مقابل إقامة الجمهورية (ولا نكف عن البصق في أوجه حكام مصر من حينها) .. ولعل فترة الأربعينات حتى السبعينات كانت مليئة بالثورات العالمية والعربية، سواء لطرد مستعمر أو طاغية أو تبديل نظام حكم، وعندنا الآن فرصة كبيرة للتقييم والدراسة. والنتائج التي نقرأها اليوم تفيد بإن ليس كل ثورة ينتج من ورائها تغيير إيجابي في المجتمعات، وليست الثورة أو الإنقلاب هي الحد الفاصل بين التخلف والتقدم، بل يستطيع جيلنا أن يدرك بكل سهولة أن أسباب التقدم والتطور في المجتمعات ليست وثيقة الصلة بالثورات والنيران. بل وإننا في ظل غمرة الفرح، لم نسمع أصواتاً عاقلة تقدم مشروعات تنموية لتونس، لم نسمع أحداً يقول لنا بإن مشاكل تونس لم تحل بعد، لم اقرأ مقالاً واحداً يفصل لي مشكلة تونس بالأرقام والأحصائيات المفصلة، أو اقرأ حلولا عملية عن ما يجب فعله (أقتصادياً) لحل المشاكل. إن تغيير الوجوه لا يعني إنتهاء المشكلة. وخلاصة القول: ” يجب أن نتفاؤل، ولكن لا نعول على الثورات”.. وفي هذا المقام أود أن اسجل بعض الملاحظات على ما حصل في تونس:
1. “شين العابدين و زين الهاربين”، كان صناعة أمريكية، بعكس سلفه بورقيبة الذي كان صنعة فرنسية. ومع ذلك لم تفده أمريكا في مواجهة الجماهير الغاضبة، وهو ما يجب أن يعيه الرؤساء العرب، خصوصاً في مصر و الأردن والخليج، حيث يزداد الركوع لأمريكا على حساب الجماهير (وليست ويكليكس عنا ببعيد). والغريب أن بعض هؤلاء الحكام بات يرى أن إرضاء أمريكا يقوم على رضاء إسرائيل، لذا تراهم يستحون من مواجهتهم في السر والملأ ولكنهم على الأقل توقفوا على مهاجمة الصهاينة.
2. الإنسان – بطبعه – عنصر مقارن، يقيس سعادته ورضاه بما يحصل عليه الآخرون. فقد أثبتت الدراسات أن أكثر سبب يجعل الموظف غاضباً، هو أن يحصل زميله الذي في مستواه وخبرته على راتب أعلى من راتبه!! والشعوب اليوم – بفضل وسائل الإتصال والهجرات – تشاهد التطور و التقدم وإحترام الأنسان في الدول الغربية، لذا بدأت تقارن بصورة أكبر، وتنامي شعور عدم الرضا مع الأيام بصورة مطردة، وهو ما يجعل الحكام العرب أمام معادلة صعبة، فهم مطالبون بتحسين مستويات المعيشة، ولم يعد يكفيهم إشغال الشعوب بكرة القدم.
3. “زين الهاربين” من يلتقيه يقول أنه ذو شخصية دمثة وطيبه، ولكن زوجته “ليلى” (وهي في الحقيقة “الذئب” الذي نام في فراش الجدة ولا تمت لليلى بصلة)، بدأت حياتها ككوافيره كانت هي المتحكمة بالأمور، وكان لها الحق في سلب ما تراه من أموال الشعب، (يقال أنها إذا أعجبت بمجوهرات أو ملابس إمرأة، فإنها لا تتوانى عن مصادرتها!)، وهي سبب أساسي في كره الشعب لزين العابدين، ويلاحظ حجم الإنتقادات الموجه لها ولعائلتها بعد الهروب،ويقال أنها هربت طن ونصف من الذهب (بقيمة 45 مليون يورو) لذا فعلى الرجال في كل المجتمعات عدم الأنسياق لرغبات زوجاتهم ! (أمزح ليس أكثر)، ولكن يجب على الحكام العرب أن يتحلوا بالورع فيما يخص مقدرات الشعب، خصوصاً مع أقربائهم و اصدقائهم.
4. يجب أن نفرح بسقوط الطاغية، ولكن يجب أن نعول على البدائل الناجحة، وخصوصاً في مجال البنية الأقتصادية وفتح مشاريع تصدر منتجات إلى الخارج. لإن دولة مثل تونس تعتمد على السياحة، لذا يجب أن توجه شبابها وأنتاجها إلى مصادر أنتاج سباقة عالمياً، وهي معادلة صعبة في ظل تنافس كبرى الدول على الأنتاج، ودخول المصانع الآسيوية والصينية إلى سوق العمل بقوة وقلة تكاليف. وبالرغم من قلة معرفتي بالوضع التونسي، إلا أن الزراعة قد تكون خطوة أساسية في البناء.
5. التوانسة هم أكثر شعوب المغرب العربي ثقافة وهدوءاً ! ومع ذلك ثاروا، وهذا يعني أن زيادة الوعي والثقافة، قد ينتج شعباً خطيراً على الحكام العرب، لذا يجب أن نؤسس ثقافة أكبر بين الأجيال القادمة.
6. يجب أن تستغل المعارضة مثل هذا الحدث، وتفعل الجماهير للمزيد من الضغط العاقل على الحكومات من أجل الحصول على مكتسبات صغيرة للمواطن وليس مكتسبات كبيرة للمعارضة، فقبل أن نفكر في قلب أنظمة الحكم، لنفكر في لقمة عيش المواطن.
ونقول للتوانسة، إن عيون العالم العربي والأفريقي معلقة بكم، لذا يجب أن تنجحوا في بناء أقتصاد متين (وليس إقتصاد حر كما تروج له أمريكا والبنك الدولي قبل الازمة المالية)، وحياة فيها رفاهية لكل مواطن، حتى نثق في نهجكم ونحذو حذوكم.
عبدالكريم الشطي
الكويت
Karimalshatti@gmail.com
أهلين ،تعرفت على البلوج متاعك عن طريق كلام نواعم . مغامر برشة أكيد, وشعلة متقدة من الحياة . هنيئا . مقالك هذا هو كل تونسي كان يفكر فيه من لما بن علي راح. لكن تجري الرياح . لا يهم سنقتلع الظلم من ارضنا .