بعد ثلاثين سنة من الإستبداد، يجد نفسه حسني مبارك ملكاً أسوداً وحيداً على رقعة الشطرنج، بينما الفريق الأبيض يقف صفاً متكاملاً في مواجهته، يدفعه نحو مربع “كش ملك” بكل سهولة ويسر…
الغريب أنني أقرأ في توقعات The Economist و Foreign Policy للعام 2011 (والأعداد كلها جديدة صادرة في أول 2011) دون أن أجد أي دراسة أو حتى “إشارة بالمنديل” إلى احتمال تغييرات في حكومتي تونس و مصر أو أي حكومة في العالم العربي، بل كانت التوقعات كلها تنصب حول مسار عملية “كذبة السلام”.
الأغرب أننا لم نقرأ كاتباً أو محللاً يشير إلى إحتمال قيام ثورات عربية في 2011.
والاشد غرابة، أن ما يحصل في مصر يتصدر عناوين الصحف الأمريكية والأسرائيلية والأوربية (أما العربية، فهي تنشر على إستحياء)، ويبدو الأهتمام الكبير من جانبهم لما يحدث هناك.
وهو ما ينبئ لنا بإن هؤلاء الخبراء مهما بلغوا من قدرة على التحليل و قراءة الأحداث، فإنهم لا يتعدون قشور الحقائق دون الغور في أعماقها وحقيقتها. وهنا نود أن نقف عند محطات سريعة عن أثر ما يحدث في المستقبل:
1. السياسة الأمريكية/ الأسرائيلية في المنطقة العربية كانت تعتمد على تقوية الروابط بالحكام مقابل عصر الشعوب وإزهاق مواردها. لذا كانت تحرص على ترضية الحكام العرب/الأعراب، منذ سقوط الخلافة في 1923 وحتى تاريخه، لذا فلم تعد تهتم بتنمية الشعوب أو تشجيع الديموقراطيات (إلا بشكل صوري ومن خلال خطابات شكلية/أوبامية). بعكس السياسة المتبعة مع بعض الدول الأخرى مثل الصين وفنزويلا وكوبا، حيث تحاول أمريكا التودد من الشعب للضغط على الحكام، وهذا يعود إلى إنبطاح حكامنا، وليست ويكليكس عنا ببعيد.
2. القوة الحقيقية لأي حاكم عربي في شعبه، وليس في رضاء أمريكا وإسرائيل. ورضاء الشعب يرتبط بالدرجة الأولى (في هذه الحقبة) بالرفاه الإقتصادي الممزوج بهامش من الحرية. وهو ما وعاه الحكام العرب متأخراً.
3. لا أحبذ مقارنة تونس بمصر، ولكن أحبذ مقارنتها بتركيا، لتقارب العدد السكاني، ووجود طوائف وتقسيمات عرقية متعددة، والتشابه في الموارد الطبيعية والعمق الأستراتيجي. ففي تركيا نجح أوردغان (حتى الآن) في ترضية التجار والصناعيين الليبراليين و الإسلاميين الحركيين و الصوفية والأهم من ذلك الشارع التركي. بينما قام مبارك بمعاداة كل هؤلاء تقريبا ما عدا التجار والحكوميين المنتفعين!!!. لذا فإن القادم الجديد يجب أن يقيم المعادلة الجديدة.
4. في المعادلة التركية، نجد أهتماماً من أوردغان أهتماماً بمسئلتين:
أ) دفع الشعب إلى الأنتاج وإشغاله بالبناء والتعمير.
ب) زرع روح العداء لأسرائيل في صفوف الشعب كعدو تاريخي، ووجود العدو يحفز الشعب للإتحاد دائماً.
أما في معادلة مبارك، نجد التالي:
أ) إلهاء الشعب بالرياضة والفنون.
ب) محاولة بث روح التسامح مع عدو تاريخي وديني وأستراتيجي ومجاور!!!
5. من الواضح أن اسرائيل و أمريكا فقدتا الأمل في العميل مبارك (أشارت ويكليكس إلى أن الموساد يعلق على مبارك بإنه: عميل واحد يحمينا من 80 مليون عدو!)، وهما الآن يتخبطان في محاولة التدخل في الشأن المصري لفرض عميل/ مهادن جديد لضمان إستقرار إسرائيل، ولكن من المتوقع أن تصدر منهما تصرفات ذكية (غير مباشرة) من خلال 21 عميل المتبقين على رؤوس دول المنطقة.
6. أخيراً، في حال رفس الرئيس مبارك خارج مصر، فأنا أعرض عليه إقامة مشروع تجاري مشترك! يتمثل في نادي صحي وبرنامج غذائي للرؤساء والـ VVIP (يخرب بيته عمره 80 ويبدو في الـ 40). فأن تقود بلداً بهذا الحجم وتحافظ على قوامك ورشاقتك بهذا الشكل، هو لعمري الأنجاز الوحيد الذي قام به هذا الرئيس خلال 30 عاماً من البؤس والطعمية وغلاء اللحمة!!!
وأخيراً نأمل من الشعب المصري الشقيق أن لا يكف عن تصدير نكت “الريّس” إلى العالم ولا يتوقف عن أنتاجها بسبب الضنك السياسي، كما نوصي السيد الطيار المناضل بكتابة بيت شعر لابن زريق البغدادي على باب قصره في جدّة:
أعطيت ملكاً ولم أحسن سياسته… وكذا من لا يسوس الملك يُخْلعهُ
عبدالكريم الشطي
اترك تعليقًا