سؤال منتصف الليل
كثيراً ما نجلس إلى أنفسنا ونتفكر في عناد كفار قريش، ونعجب من عنادهم للحق الواضح، ويبدو لنا موقفهم غريباً ومشيناً في حق فكرة التوحيد…؟
لكن هل نختلف نحن عنهم حقاً؟
يولد الانسان، ينظر إلى والديه، فيعتنق دينهما، يكبر قليلاً، يرى أن أعمامه وأخواله وجميع أهله ينتمون لمذهب واحد، فيعتنقه، ويقنع نفسه بإنه طالما اقتنع جميع من حولي بهذا المذهب، فلا بد انه هو المذهب الصحيح. يكبر أكثر، فيدرسونه قواعد المذاهب وأصوله وينظر للمشايخ والعلماء بنظرة أجلال وتقدير، فيرسخ المذهب في قلبه وعقله، ويدخل مرحلة من الأيمان واليقين، تجعله مستعداً للتضحية لهذا المذهب. ويظل كل أنسان في المجتمع يقول بما أن كل المجتمع مقتنع بهذا المذهب، لا بد أن يكون هذا المذهب صحيحا!
وخلال أسفاري، وقفت في حضرة راهب كاثوليكيٍ ليس لديه أدنى شك في صحة عقيدته، ووقفت في حضرة شيخ سلفي يعتقد أن كل مخالفيه في النار، ودخلت على معمم في ضريح شيعيٍ يعتقد أن كل الناس يضطهدون آل بيت، وتناقشت مع بوذي على محاذاة التبت يشعر بالحسرة على البشر الذين لم يجربوا راحة الطقوس البوذية. وكل هؤلاء موقنون مؤمنون برسوخ مذاهبهم وصحتها.
لكن لنقف للحظة واحدة، أليس هذا هو عين ما ردده كفار قريش: إنا وجدنا آبائنا على ملة وإنا على آثارهم مهتدون؟؟
مع العلم إن كل هذه المذاهب تبدأ بالدعوة للتوحيد الخالص، ثم تبدأ في تمجيد الأشخاص والأماكن، ويبدأ رجال الدين يحضون الناس على تقديس مؤسسي المذهب والتبرك بهم بأكثر من عبادتهم لله، ويبدأ مسلسل الأنحراف الذي يطال الكثير من المذاهب والأديان اليوم.
لكن كيف تعرف أن كنت أنت من هؤلاء أو غيرهم؟ بكل بساطة، حينما يأتي أحدهم ليناقشك نقاشاً منطقيا في أركان وصلب مذهبك، وتجد نفسك تدافع لا شعورياً عن مذهبك، وتعتقد بكل يقين في داخلك بإن هذا الشخص لم يفهم لماذا يقدس مذهبك فلاناً أو لماذا يأمر مذهبك بهذه الطقوس، تشعر بإن عليك أن تفحمه وتقنعه بمذهبك، دون أن تقف وقف صراحةٍ مع نفسك: هل ما يسأله هذا الرجل منطقي؟ هل ما يطرحه عقلي! ثم لا تفتأ تصم معارضك بإنه عنصري وأنه من فئة المتآمرين على مذهبك. فاعلم بإنك أحد هؤلاء الذين التقيتهم في أسفاري.
لو وقفت تتأمل معي سورة الفاتحة التي نرددها في اليوم سبعة عشر مرة، لما وجدت فيها غير دعاءٍ واحد:
“اهدنا الصراط المستقيم”….
ألم تسأل نفسك لماذا كانت الفاتحة (والتي تسمى أم الكتاب) تحتوي على هذا الدعاء فقط؟
لأن أبوك وجدك وعمك وشيخ مذهبك واصدقاؤك كلهم ليسوا على حق، بل الحق يحتاج إلى أن تنعزل عن هؤلاء وتطلق العنان لعقلك، وتعرض قناعاتهم وفتاويهم وتصرفاتهم على عقلك، وتغربل ذلك كله وأنت تسأل الله بكل صدق في كل صلاة:
“اهدنا الصراط المستقيم“…
وإلا كنت مثل كفار قريش، أو ربما أسوأ!!!